التصنيفات
Uncategorized

عبدالغني كرم الله مع نواقيس العزلة

مع “نواقيس العزلة”
تبا للروايات…
لطيفة الحاج
دار مداد

عبدالغني كرم الله.
.
هكذا عنوان الرواية، للكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج، تكتب بحكمة وتأني عتيق، كأن الكلمات غالية ونفيسه، تستخدمها بزهد عجيب، وتحمل أي كلمة، إشارات كثيرة، كأن الكلمة حقيبة، ملئت معان كثر، انت وتأويلك الذاتي، سواء كان شعرا، أم حكايات، او رواية،.

نواقيس العزلة، صدرت من دار مداد، دبي، عام 2019م، شاءت اقدار البلاد ان انشغل عن الحكاية زمن طويل، حال بلادي يغني عن السؤال، في ثورته الطويلة، لم تنم الشوارع منذ 2018م، ليوم الناس هذا، فقط بالأمس شرعت في الاطلاع، مثل استراحة محارب، من وعثاء بلد في مخاض عظيم، لميلاد أعظم، “يادوب في الصفحات الأولى”، ولكنها تأخذك اخذ عزيز مقتدر، بالقدرة الفائقة في السرد والاصغاء لمشكلة امرأة، متزوجة، ولها طفل، (نشأت منعزلة ومنطوية وجبانة) اي انك امام باب اعتراف وكرسي بوح “كم امنتك ايها القارئ” أم فن حكي؟ أو ثورة نسوية؟ كي لا [كما ستبتلعكن عباءات امهاتكن]، كما همست “وربما صرخت”، بطلة الحكاية.

مع هذا “مع اعترافها لك،”، تخاف تأويلاتك الخاصة لما تقول “كل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بهذا] البوح واحد، ولكن مستويات تفسيره تختلف “حسب الوعي”، “يكفي تاويلات القرآن الواحد وتمظهراته في فرق تتناحر، والنبع واحد”، وحسب وسيلته في الوصل لذلك، حمار كان ام سيارة أو طائرة، (وقد ترك البعض الوسيلة تمتطيه، ويصير مثل جحا وحماره “اذن هناك مكر وتأني لفهم رسالتها”، بوحها، شكواها، وربما حبها للمعترف له، أيا كان، .. وربما لنفسها، أليس العنوان “نواقيس العزلة”، لم تقرع الاجراس؟ لهذه المرأة الساردة، منها، ولها “كل شئ ممكن في متن الأدب، هناك لذة الاعتراف ولو للنفس، ولكن بصدق، مراقبة الذات بالذات، ألم تتعجب رابعة العدوية من اناس تستغفر بنفاق، وقالت قولتها المشهورة “استغفاركم، يحتاج لاستغفار”، ممها احسته من لحن القول، ولكن هنا، استغفار عظيم، لأمرأة تود ان تشاركها “حزنها”.

تمضي الساردة في بوحها، اعترافها لنفسها “أم لنا؟”، تراجع حياتها، احلامها، “تخاف الخطأ، وهذا اكبر خطأ، أليس الخطأ حق؟ وقاله النبي، ان لم تخطئوا؟ الحديث الشهير”، ولكن حياتها خائفة من خوف الخطأ، وتنتقدها، وتحللها بتروي وقفزات فقرات، اشبه بموسيقى حزينة، نبيلة، وضربات أصابع البيانو تقفز من الماضي للحاضر، للأحلام، مع نقد محب لطقوس الحياة في الخليج وخاصة للمرأة “تأملها للصورة القديمة، البيضاء والسوداء ووجود البنات والأولاد معا”، ورد امها “النفوس في السابق ليس كما هي الآن”، ويأتي المنلوج من الساردة “المرأة ذات الطفل الذي تهدهده في بدء الرواية ” ماذا حدث للنفوس؟ لا اعرف ماهي الهزة الفكرية التي اقتحمت وتغلغلت فيه حتى تبدلت معتقداتهم وعاداتهم بهذه الطريقة.

تحس بأنها سيرة للمرأة الخليجية ابان التحولات الضخمة التي جرت للمجتمع، من صحراوي بسيط، لمجتمع نفطي، ثري، تقني، غربي، شرقي، اسيوي، افريقي، شرق اوسطي معا، مزيج عجيب، يعيش في رقعة جغرافية ضيقة، وكل يحتمي بثقافته ويتشدد خوف الذوب في أخرى.
مع السطور، تحس كأنها اشعة اكس، ليست امرأة تشكو فقط، بل أدب يراجع العلاقة بين الرجل والمرأة، والام والابنة، وبين الصديقات معا، تشخيص، اراء، سخرية، حب، شغف، مراجعة لسيرتها النفسية، وجروح روحها المبكرة، والتئام الثقوب بالكتابة، بالحكي، بالبوح للورق الابيض تحت سن قلمها..
تبدأ الرواية، بإشارة لمقولة لفرجيينا ولوف:

كل سر، من أسرار الكاتب
كل تجربة من تجارب الكاتب
كل ميزه في فكره
مكتوبة بوضوح في اعماله.

أما إهداء الكتاب فكان:
إلى اروح الاجنة، التي تجهض قسرا، كل عام، ..
وإليه..

انا يادوب في البداية، وفي متعة القراءة واحزانها النبيلة، فكم يمسنا ما يمس بطل الرواية، كشأن القراءة، وما يمس الكاتب، كما لمحت فرجينا ولوف، في تلكم الكليمات، فسلاح الكاتب الكلمات، يحارب بها القبح، حيثما كان، ألم يقل ديستوفسكي “الجمال ينقذ العالم”، اذن القبح، بأي صورة له، يغرقه في الظلام، حد الموت العقلي، وياله من موت، أشد من موت المقابر، بل المقابر، للصالحين، “روض من رياض الجنة”.

لي عودة بعد الختام من الرواية، وقراءة بين استراحة وأخرى، وشاشة القلب، والتلفاز، والفيس، والواتس، تظهر صبية شباب، في كر وفر، مع سلطة غاشمة..

ومحبتي…
الخرطوم

التصنيفات
Uncategorized

القلب الشغوف لا يشيب

يقول غاندي: عش كأنك ستموت غدا . وتعلم كأنك ستعيش للأبد. وهذا ما فعلته في السنوات الماضية من عمري. للناس شغف ورغبات واهتمامات مختلفة وهذه حكمة ربانية ولا شك. وقد كان شغفي منذ بداية نشأتي في العلم التعلم. كنت متفوقة في المدرسة ثم تراجعت في السنوات الأولى من الجامعة، وكان ذلك لظروف أفهم الآن أنها خارجة عن إرادتي. ثم انقطعت عن الدراسة عاما واحدا وعدت لأكمل دراستي العليا وعاد إلي شغفي من جديد. ورغم الضغط النفسي والإرهاق البدني كانت هنالك متعة ولذة في كوني طالبة للعلم وباحثة عن المعلومة وشغوفة بها. وإيماني بأن الثمار التي سأجنيها تستحق ذلك العناء هو ما دفعني للاستمرار.
قد كان لوالدتي حفظها الله الدور الأكبر في دعمي لاستكمال تعليمي. نصحني كثيرون بأن أتريث لأكون خبرة عملية تساندني في بحثي. لكنني تبعت قلبي وسمعت كلماتها الداعمة وقدمت أوراقي وكان توفيق الرحمن.
يقول الشافعي: ومن لم يذق مر التعلم ساعة… تذرّع ذل الجهل طول حياته. صحيح أن هنالك أوقات يشعر فيها الباحث وطالب العلم بالضغط والإحباط لكن متعة التعلم والبحث متعة لا تضاهيها متعة. ولذة الوصول والإنجاز تستحق العناء. لازلت كلما استشارني أحدهم في موضوع استكمال الدراسة والعودة لها بعد انقطاع سنوات أقول إن التعلم لا يعرف عمرا والانقطاع قد يكون سببا في مواجهة صعوبات في البداية لكن بركة العلم ومتعته تجعل المتعلم قادرا على الاستمرار والنجاح. وإياك والاستماع لمن يردد “لما شاب ودوه الكتاب” فالقلب الشغوف لا يشيب أبدا.

التصنيفات
كتابات ذاتية مقالات مقالة

أنت أولى بالحب

منذ سنوات مراهقتي وأنا أعيش صراعا بين العقل والقلب وبين ما يجب وما يمكن وبين ما أريد وما لا يريده الآخرون لي. وقد حاولت أو أنها رحمة الله بي أن أوازن بين تلك الأمور وأصل في نهايتها إلى نتيجة ترضي الطرفين المتصارعين وأنا الثالثة بينهما في كل الأحوال.
ثم ومن وقت ليس ببعيد، توصلت لقناعة مفادها أن ليس بالضرورة أن يكون هنالك صراع. نحن لم نخلق لنصارع ونتصارع، لنحارب ونقاوم، لنعيش بمشقة وحرمان وانتظار وترقب أبدي. وجربت أن أترك كل ما يثقل علي وأن أهجر كل ما يستنزفني جسديا نفسيا وفكريا وماديا. وفهمت أن الحياة لو تساهلنا معها ستكون سهلة وأن الأشياء كل الأشياء إن رغبنا بها وأحببناها بلطف ستكون لنا. وأن أنفسنا هي الأهم والأولى بالرفق واللين والحب والعطاء وبعدها سيأتينا كل شيء برفق ولين وحب.
كم من المشاعر أهدرناها وكم من الوقت ضيعناه في السعي نحو أحلام ضائعة وأوهام صنعناها وصدقناها وعشنا لسنوات طويلة ندور فيها وحولها حتى ابتلعتنا وأفقدنا الثقة والشغف وحب الحياة.
يقول ألبير كامو: ما أقسى أن يعيش الإنسان فقط مع ما يعرف ويتذكر، محروما مما يرجو ويتأمل.

مشكلتنا أننا نغرق أنفسنا في الماضي والذكريات المحزنة. مع أننا نملك ذكريات أخرى جميلة لكنها سرعان ما تنسى. وذلك لأننا تبرمجنا على اجترار كل ما يحزننا ومجرد تذكر الأشياء الجميلة يجعلنا مدانين بخيانة أحزاننا القديمة. كان هذا ما فعلته لسنوات طويلة وما لا يزال يفعله الكثيرون منا. لكن الخبر السعيد هو أن الوقت لا يتأخر أبدا على التغيير وترك كل ما يؤلمنا ويؤخرنا عن العيش بهناء وسلام.

التصنيفات
كتابات ذاتية مقالات مقالة بدون تصنيف

لماذا بدأنا الكتابة؟

يقول روبرت هينلين بدأت الكتابة لأنني كنت في حاجة إلى المال، وبقيت أكتب لأن الكتابة أسلم من السرقة وأسهل من العمل.
لماذا بدأنا الكتابة؟
كلنا بدأناها كما بدأنا القراءة في المدارس، وبقينا نكتب ونقرأ طيلة سنوات دراستنا، بعضنا كان يتخلص من أقلامه ودفاتره بعد آخر امتحان من امتحانات نهاية الفصل الثاني وقليل منا احتفظوا بأقلامهم ودفاترهم لأنها أشياء عزيزة لديهم وسيحتاجونها في الإجازة الصيفية الطويلة.
حين بدأت الكتابة كنت في الإعدادية، تشدني القصص والحكايات، وتبهجني أوراق الدفاتر والأقلام. كانت الكتابة متنفسا وكان العالم كبيرا جدا علي. وكنت كلما خانني لساني وضاق صدري بما فيه، أمسكت قلمي وخططت تلك الكلمات على الورق. ولم أكن حينها أعرف شيئا عن العلاج بالكتابة وعن أن الكتابة تشبه الحديث إلى أحدهم بل إنها أفضل لأنها لن تخرج عن حدود الدفاتر والأوراق لكنني كنت أكتب لما وجدت في الكتابة من ارتياح وشعور جيد عقب الانتهاء من تلك التجربة الممتعة.
وكبرت وكانت هنالك فترات انقطعت فيها عن الكتابة بسبب الانشغال في الدراسة أو العمل أو المشاغل الأخرى التي ليست سوى مشتتات مثل كل المشتتات من حولنا. وكنت في فترات انقطاعي ينتابني حنين وشوق للورقة والقلم والكلمات. للكاتبة فيّ التي تكتب أكثر مما تتكلم. ثم تعرفت على التدوين وخضته كتجربة تحولت إلى عادة شبه يومية. ثم النشر في الجرائد ثم إصدار الكتب. ولازلت أنقطع قليلا وتبعدني المشاغل لكنني أعود لأن من ذاق حلاوة الكتابة لن يطيق فراقها.

التصنيفات
Uncategorized

اتركوا المبدع يبدع

لا أعرف متى سيستوعب البعض أن الإبداع تجربة فردية بحتة. لا يمكن أن توضع في قالب محدد وأن يأتي معها كتيب إرشادات يرغم كل مبدع على اتباعه. يسمح هؤلاء البعض لأنفسهم بوضع ضوابط للإبداع وشروط لاكتمال الحالة الإبداعية وظروفها.
حين يُحكم الإبداع ويحدد لا يعود إبداعا، أيا كان شكله. والمبدع حر في إنتاجه، وليس متوقعا في الأصل أن تكون الظروف المصاحبة لإبداعه شبيهة بظروف إبداع آخرين. ولو تشابهت الظروف لتشابه المبدعون وتشابه إنتاجهم وهذا ما لا يرغب به أحد. هنالك مبدعون ينتجون بغزارة، حضورهم ملحوظ ومشاركاتهم عديدة. وهنالك مبدعون قليلو الإنتاج، منعزلون ولا يحبون الأضواء.
وليس من العدل، أن نقول إن المبدع غزير الإنتاج وذو المشاركات العديدة أكثر نجاحا من المبدع قليل الإنتاج أو العكس. ما يهم في النهاية جودة المنتج الأدبي ومحتواه. لا ظروف المبدع، وشكله وخلفيته والانطباعات الشخصية التي نأخذها عنه. وفي الأصل ليس من حق أحد أيا كان، أن يضع حدودا ويرسم خطوطا ويقرر متى وكيف ولماذا يكون الإبداع إبداعا. اتركوا المبدع يبدع كيفما شاء.

التصنيفات
كتابات ذاتية

مش كل مرة تسلم الجرة

بعد أن أنهيت الماجستير قرر جهازي المحمول أنني لست بحاجة له ورفض أن يتجاوب معي ودخل في حالة غيبوبة. كان اللابتوب يحوي إضافة للبحوث والواجبات والمواد الدراسية كتاباتي جميعها. التي كتبتها عليه والتي نقلتها وقمت بطباعتها نقلا عن الأوراق والدفاتر. كلها ضاعت قلت لنفسي. عزائي كان أنني أملك مدونة وكنت أضع فيها أغلب ما كتبت. ثم فكرت في أنني قد أتمكن من إنقاذ ملفاتي إن أخذت الجهاز لمختص في مشاكل أجهزة الكمبيوتر وحدث لكن المختص لم ينقذ سوى نصف الملفات. وكان من عادة الناس حين يعرفون إنك أنهيت من التخصص نفسه قبلهم بعام أو حتى عشرة أن يطلبوا منك ملفات الواجبات والتقارير. وكنت حين أرد بأني فقدتها يعتقدون بأني لا أرغب بمشاركتها معهم. ولا يمكن لأحد أن يلومني إن كنت قلت ما قلت لهذا السبب، فالمفترض أن يقوموا بحل واجباتهم وكتابة تقاريرهم وأبحاثهم بنفسهم. المهم كانت الملفات التي أنقذت ملفات متفرقة من كل مادة وكل سنة من سنوات كتابتي منذ بدأت الكتابة.

ومرت السنوات ونسيت حزني على ما فقدت. والتحقت ببرنامج الدكتوراه وحرصت على اقتناء جهاز جديد أخصصه للجامعة. كنت أقوم بالاحتفاظ بنسخة احتياطية من كل ما فيه مرتين في السنة كما نصحني مشرفي الذي كانت نصيحته في الحقيقة أن أقوم بنسخ الملفات كل شهر. وبقي معي ذلك الجهاز حتى يوم مناقشة الرسالة وتخرجت والحمدلله بدون مشاكل أو خسائر وخيانات من الجهاز المحمول. ثم وبعد التخرج بأشهر قليلة وبكل ما فيه من إصدارات ومسودات وملفات -بعضها ليس في النسخة الاحتياطية- توقف الجهاز عن العمل وعاد إلي شعور الخوف من فقد كل ما أملك من إنجاز وإبداعات. وبقيت بين تردد وخوف من أن يخبرني المختص بأنه لم ينقذ جميع الملفات. وتركت الجهاز بعد أن اقتنيت غيره وكنت أنسى أمره لحين يصيبني الحنين للعودة لنص قديم وبذرة رواية كتبتها وتركتها. وبالأمس أخذته للمختص على أمل أن تكون مخاوفي مجرد أوهام، فنحن في 2021 ولابد أن المختصين أصبحوا أكثر خبرة وطرق استرجاع الملفات باتت أسرع وأكثر فعالية. وهذا ما حدث فعلا. وبشرني المختص بأن الملفات جميعا قد تم إنقاذها ولله الحمد. إضافة إلى أن الجهاز المحمول سيكون قابلا للاستخدام بعد معالجته و”فرمتته” بالكامل. ورغم أنها المرة الرابعة على الأقل التي أفقد فيها ملفاتي من جهازي المحمول أو حتى هاتفي إلا أنني لازلت أنسى أو أتكاسل عن الاحتفاظ بنسخ احتياطية لملفاتي. وأعلم جيدا أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة. لكنها عادة سيئة أعد نفسي على أنني سأحاول التخلص منها.

التصنيفات
Uncategorized

الرواية: دليل على وجود الانسانية

يقول كونديرا: ” إن البحث عن الأنا الذي زرعه ديكارت في عقول الناس سينتهي دائماً إلى الشعور بالعجز، بينما إضاءة حدود الأنا عبر الرواية يعتبر اكتشافاً كبيراً واستثمارا إدراكيا هائلا”.


الرواية بشخصياتها الخيالية والواقعية أحيانا، المصنوعة من مزيج نفسي جسدي بعذاباتها وآلامها وسقطاتها وهفواتها وعجزها في كثير من الأحيان والظروف عن التفكير الذي جعله ديكارت شرطا للوجود، هي عتبة البشرية نحو الإدراك والوعي لعوالم كانت غافلة عنها.

لطالما اعتقدت بأن الأدب عموما والرواية خصوصا، لهما القدرة على هدم جدران المثالية الهشة. في النهاية لا وجود للكمال، والسعي خلفه مثل السعي نحو السراب. نحن بتعرفنا على الإنسان العاري من المثاليات وفي الاقتراب الذي تمنحنا إياه الرواية بمختلف أشكالها،نكون أقرب لمعاني الإنسانية وأكثر تجردا من الأحكام المسبقة والتي أساسها خلفيات واعتقادات قديمة واستنباطات جمعية فرضت علينا جيلا بعد جيل حتى تقمصناها.


هذا الوجود الذي قرنه ديكارت بالتفكير، قرنه آخرون بالإيمان، والشعور، والمشي، وحتى النوم. لكن الوجود بمعناه المعروف لا يمكن أن يقترن سوى بنفسه. أنا موجود إذا أنا موجود. في هذه اللحظة، في هذا الكون، أتنفس وأتحرك وأتكلم، وأصمت، بعقل يفكر حتى لو كان هذه التفكير معطلا. لا شيء ينفي وجودنا غير الموت. والرواية كما أحب أن أعتقد، هي الدليل على وجود الإنسان القادر على الإبداع، وإثبات إنسانيته عن طريق التقارب مع شخصيات غير حقيقية، بناها إنسان آخر يؤمن بوجوده من أجل الوجود نفسه.

التصنيفات
Uncategorized كتابات ذاتية

النشر العلمي والنشر الأدبي

قبل عشرة أعوام خضت تجربة النشر الذاتي، جمعت مقالاتي وأخذتها إلى المطبعة واتسلمتها مطبوعة في كتاب كان إنجازي الأدبي الأول وحلمي الجميل الذي صار حقيقة. وكنت أسمع عن معاناة الكتاب المبتدئين مع دور النشر ولأن بدايتي كانت بعيدا عن دور النشر لم أعش تلك المعاناة ولم تصبني تلك النوعية من الإحباطات. بعد سنوات قررت أن أكمل دراستي والتحقت ببرنامج الدكتوراه في العلوم البيئية. وكانت تجربة مختلفة ومرهقة خرجت منها بنتائج مشرفة ومعدل مرتفع والشكر كله لله. من أسباب الإرهاق والضغط النفسي كان النشر العلمي، والذي كان شرطا من شروط تخرج الطالب. ولأن كل مشرف يطمح لأن ينشر اسمه في مجلات ذات تصنيف عال يتم الضغط على الطالب لينجز ورقة تستحق النشر في تلك المجلات. وذلك ما كنت أجده أمرا غير عادل وله تأثير كبير على نفسية الطلاب. ولعلي فهمت متأخرة أن التصنيف العالي لا يلزم أن تكون المجلة العلمية من المجلات العالمية والتي تكون إمكانية القبول فيها 20%. وصرت أبحث عن مجلات معتمدة مهتمة بمجال بحثي والنطاق الذي تقوم فيه الدراسة حتى نجحت في نشر أربعة أوراق بحثية قبل التخرج. يقول مارك إيمند: الرفض لا يعني بأنك لست بجيد، إنه يعني أن الآخر لم يلحظ ما يمكنك تقديمه. عندما اقتنعت بهذه المقولة تبدلت نظرتي نحو نفسي ونحو بحثي وطريقة عرضه وكيفية التفكير به كعمل يستحق التقدير. اليوم أصبح بحثي كاملا بين أوراق تم نشرها وقبولها في مجلات علمية تتيح للباحثين في مجالي الاطلاع على ما أنجزته وما يمكنهم تحسينه أو حتى الاستفادة منه. وأظنني أحببت تجربة النشر العلمي كما أحببت النشر الأدبي ولا زلت. وسأحرص على الاستمرار على الرغم من كل شيء.

التصنيفات
Uncategorized مقالة مقابلة

مع شيخ الروائيين الإماراتيين

التقيت بالروائي الإماراتي الكبير علي بوالريش أول مرة قبل عامين في معرض أبوظبي للكتاب في حفل توقيع كتابه “دبي أيقونة الحياة” الصادر عن مداد للنشر. وأذكر أنني شعرت بأني في حضرة تجربة أدبية فريدة لم تلد الإمارات مثلها حتى اليوم. لم أقل أكثر من “شكرا أستاذ” وأخذت نسختي الموقعة ومضيت.

وبالأمس حظيت بدقائق من الحديث مع الأستاذ علي بوالريش وسمحت لنفسي بالتطفل على صمته المعتاد وسألته بفضول عن تجربته الأدبية مفترضة أنه متفرغ للكتابة نظرا لإنتاجه المتواصل والغزير. أجاب بأنه ليس متفرغا وأنه يعمل في وظيفة لكنه حريص على تخصيص ساعات من يومه للكتابة. وكنت دائما ما أتساءل عما إذا كانت الخبرة التي يكتسبها الكتاب الكبار تؤثر على سرعة إنجاز الأعمال الأدبية حالها حال باقي التخصصات والمهن، فسألته إن كان يجد كتابة الرواية اليوم أكثر سلاسة وسهولة عما كانت بالنسبة إليه في بداياته. فأكد على فكرتي لكنه أشار إلى أن الفكرة هي التي تستنزف الكاتب ووقته أما الأدوات الأخرى مثل صحة اللغة واختلاف الأسلوب فهي تنمو وتتكثف مع الوقت وتجعل العمل أيا كان مجاله أيسر مع مرور الوقت. وعن طقوسه أخبرني بأنه يكتب بعد الفجر حتى العاشرة صباحا وإنه يكثر من تناول القهوة كعادة مرافقة للكتابة.

ثم تساءلت بفضول عن القراءات التي تهم وتستهوي علي بوالريش فقال إنه يقرأ في الفلسفة وعلم النفس والروايات، فالفلسفة تفتح للكاتب مدارك العقل والتفكير أما علم النفس فيمنحه القدرة على تحليل الشخصيات وخلقها في الكتابة. سألته عن الروايات وهل يفضل الأدب العربي على المترجم؟ فأخبرني إنه قرأ للكثير من الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ والطيب صالح وحيدر حيدر، كما أنه يميل إلى الأدب الشرقي شاملا الأدب الياباني والصيني لما فيه من تقارب مع الأدب العربي وتميز واختلاف في الأسلوب والأفكار عن الأدب الغربي. صمتت برهة وأنا أستجدي فضولي لطرح المزيد من الأسئلة واستغلال تلك الدقائق التي أعرف إنتي قد لا أحظى بمثلها مرة أخرى لكنني اكتفيت مسرورة بما عرفته عن بوالريش الكبير. لم تكن تلك مقابلة مخطط لها، لكن الحظ السعيد كان حليفي. وحين اعتذر منا الأستاذ بوالريش تاركا مكانه قلت لصديقتي ليتني قمت بتسجيل هذا الحوار، ثم أخبرتها بأنني سأتذكر حديثنا هذا وأحاول استرجاعه والكتابة عنه.

مضى بوالريش تاركا أثرا كبيرا في نفسي. وقد يجد البعض مبالغة في احتفائي باللقاء به ومحاورته. لكن ما أثارني فعلا تواضعه وبساطة حديثه وقربه من النفس رغم شهرته ومكانته الأدبية. جعلني هذا الأمر أقارن بينه وبين بعض الكتاب الذين لا يتجاوز إنتاجهم عملين أو ثلاثة، وعند محاورتهم المليئة بالتشدق بالألفاظ وتضخيم تجربتهم الأدبية، تجد نفسك خاويا من حديثهم ولا تضيف لك تجربتهم المزعومة ولا حتى اليسير. يلقب بوالريش بشيخ الروائيين الإماراتيين وقد استحق هذا اللقب لما يملكه من إنتاج ولما يحتويه ذلك الإنتاج من أدب مختلف ومتفرد.

التصنيفات
Uncategorized

فلنحبهم كثيرا.. في حياتهم

تفقد الساحة الأدبية كتابا وشعراء ومبدعين وهذا أمر لا اعتراض فيه فهو حال الدنيا. وكلما غيّب الموت أحد الكتاب، ضجت حسابات أصدقائهم وغير أصدقائهم بعبارات النعي والمواساة والتعبير عن الحزن وتذكر محاسن ومآثر الفقيد رحمه الله.
هؤلاء الكتاب كانوا بيننا هنا قبل لحظات من موتهم. ينشر أحدهم منشورا في فيس بوك أو يكتب تغريدة وتصبح بعد ساعات تغريدته الأخيرة. بعضهم لم يحظ يوما في حياته بنصف التقدير الذي يحظى به بعد وفاته. وتخليدا لذكراه يسمون باسمه شارعا أو قاعة أو مكتبة.

محبة كبيرة ومشاعر جياشة تتفجر بعد أن يغيب. محبة كانت ستجعل خبر وفاته ومفارقته الحياة أقل وطأة لأننا متأكدون من أنه فارقنا وهو يعرف كم أحببناه وقدرناه وكم سنبقى نحبه حتى نلحق به. وليست هذه الظاهرة محصورة على الساحة الأدبية، فنحن بطبيعتنا البشرية نشعر بقيمة الأشياء والأشخاص بعد فقدهم. نرجو لو قضينا وقتا أطول بصحبتهم. لو لم نتردد في التعبير عن حبنا لهم. لو اقتربنا منهم كفاية وسمعناهم وأخذنا منهم ما سيخلدهم في قلوبنا حقا. لكن كما قال الدكتور الروائي أمير تاج السر: من المؤسف أن محبة الناس للشخص تزداد بعد موته وأنه لن يعرف ذلك أبدا.

التصنيفات
Uncategorized

هل أنت رفيق جيد لنفسك؟

سمعت مرة عبارة تقول: إن كنت قادرا على قضاء وقت ممتع مع نفسك فأنت شخص محظوظ. قبل سنوات طويلة من الآن كان من المستحيلات أن أجلس وحيدة لتناول وجبة طعام أو حتى التأمل في الطبيعة. كانت ساعات اختلاف جداول صديقاتي الدراسية في الجامعة أطول ساعات عمري. أهيم على وجهي في الحرم وأبتعد قدر الإمكان عن التجمعات حتى لا ينظر إلي بعين الشفقة أو يقال عني “سايكو” بدون صديقات.

مع الوقت وبعد التخصص صرت أكثر تقبلا لفكرة التجول في الجامعة وحيدة، فصديقاتي كل واحدة قبلت في تخصص مختلف وتحضر محاضراتها في كلية مختلفة ومبنى مختلف. وبناء صداقات جديدة مع طالبات أخريات لنذهب للأكل سوية أو الجلوس والحديث يأخذ وقتا طويلا معي.

وكنت حتى وقت ليس ببعيد أشعر بالضجر من الجلوس وحيدة حتى لو كنت بصحبة كتاب أو فيلم مشوق. دائما وددت التواجد قرب الآخرين، ومقاطعة قراءتي ومشاركتهم حواراتهم أو التعليق على مشاهد من الفيلم. واليوم وبعد أن جربت أكثر من مرة تناول الطعام وحدي والجلوس لساعات طويلة وحدي، مشاهدة فيلم وحدي، التسوق وحدي والمشي وحدي. ووجدت أن في فعل هذه الأمور وحدي متعة مختلفة. ولا أخفي أنني شعرت بالغبطة نحو نفسي، فأنا محظوظة وقادرة على فعل أشياء تمتعني في غياب الآخرين. ولم تعد نظرة الشفقة تؤرقني، حتى إنني صرت أبتسم كلما رأيت شخصا يتناول طعامه وحده. أو يتسوق وحدة أو يحضر فيلما في السينما وحده. فهنيئا لنا جميعا.

التصنيفات
Uncategorized

إدعم كاتبا مغمورا اليوم

في مقابلتي الصحفية الأولى والوحيدة مع الأستاذ عصام أبو القاسم والمنشورة في جريدة الاتحاد في أغسطس ٢٠١٩، سألني إن كنت أجد أن الكتاب من جيلي يحظون بالدعم الكافي. وأجبته بأنني أجد أن الكاتب الإماراتي يحظى باهتمام ودعم جيدين وقد يكون أفضل بكثير من الدعم الذي يحظى به الكاتب في بلاد أخرى. 

لكن الدعم الإماراتي قائم على العلاقات والتي تبنى مع الوقت والتي تلزم حضورا ومشاركة اجتماعية مستمرة. وهذه هي الوسيلة الوحيدة. حضورك يضمن حضور كتابك والاعتراف بك ككاتب. وابتعادك وانعزالك وعدم تواجدك في الدائرة التي يتواجد فيها الجميع تعني إنك ناء وبعيد. 

أعتقد أن ما نحتاج إليه ليرتقي أدبنا، الموضوعية والحيادية وتقدير الكلمة والمنتج قبل تقدير الكاتب والمؤلف نفسه. إصرارنا على دفع بعض الأسماء والوجوه وفرض وجودها في اللقاءات والفعاليات والمعارض الدولية وحتى الجوائز لن يأخذنا إلى أي مكان.

لماذا لا يحصل جميع الكتاب على فرص متساوية ولماذا لا يتم اختيار كاتب مغمور لكن جديته واضحة -وهذا أمر يمكن معرفته من أول قراءة له- كل عام ويتم إشراكه في دورات وورش ليصقل موهبته وينمي قدراته. ويلتحق بجيل النخبة خلال حضورهم للفعاليات الخارجية، يتعلم منهم ويشاركهم نقاشاتهم. كاتب واحد فقط في كل حدث محلي أو دولي. 

إن تمكنا من دعم كاتب جيد والمساهمة في صناعة كاتب جاد وواثق واحد كل عام. خلال عشرة أعوام سنضمن أنه لدينا عشرة كتاب إماراتيين يمكنهم أن يكملوا المسيرة ويقدموا أعمالا تخرج باسم هذا الوطن. 

كلنا بدأنا بكتابات ركيكة واحتجنا وقتا لنصير إلى ما صرنا إليه. وتهميش الكاتب الإماراتي الذي لا يعرف كيف يصنع علاقات اجتماعية بغض النظر عن مستواه وتمجيدنا لكل ما هو خارجي وأجنبي لن يأخذنا إلى مكان. وسيبقى الأدب الإماراتي على حاله منذ فكرت أنا في الكتابة وبدأت أكتشف نوعية أدبنا.