التصنيفات
Uncategorized

عبدالغني كرم الله مع نواقيس العزلة

مع “نواقيس العزلة”
تبا للروايات…
لطيفة الحاج
دار مداد

عبدالغني كرم الله.
.
هكذا عنوان الرواية، للكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج، تكتب بحكمة وتأني عتيق، كأن الكلمات غالية ونفيسه، تستخدمها بزهد عجيب، وتحمل أي كلمة، إشارات كثيرة، كأن الكلمة حقيبة، ملئت معان كثر، انت وتأويلك الذاتي، سواء كان شعرا، أم حكايات، او رواية،.

نواقيس العزلة، صدرت من دار مداد، دبي، عام 2019م، شاءت اقدار البلاد ان انشغل عن الحكاية زمن طويل، حال بلادي يغني عن السؤال، في ثورته الطويلة، لم تنم الشوارع منذ 2018م، ليوم الناس هذا، فقط بالأمس شرعت في الاطلاع، مثل استراحة محارب، من وعثاء بلد في مخاض عظيم، لميلاد أعظم، “يادوب في الصفحات الأولى”، ولكنها تأخذك اخذ عزيز مقتدر، بالقدرة الفائقة في السرد والاصغاء لمشكلة امرأة، متزوجة، ولها طفل، (نشأت منعزلة ومنطوية وجبانة) اي انك امام باب اعتراف وكرسي بوح “كم امنتك ايها القارئ” أم فن حكي؟ أو ثورة نسوية؟ كي لا [كما ستبتلعكن عباءات امهاتكن]، كما همست “وربما صرخت”، بطلة الحكاية.

مع هذا “مع اعترافها لك،”، تخاف تأويلاتك الخاصة لما تقول “كل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بهذا] البوح واحد، ولكن مستويات تفسيره تختلف “حسب الوعي”، “يكفي تاويلات القرآن الواحد وتمظهراته في فرق تتناحر، والنبع واحد”، وحسب وسيلته في الوصل لذلك، حمار كان ام سيارة أو طائرة، (وقد ترك البعض الوسيلة تمتطيه، ويصير مثل جحا وحماره “اذن هناك مكر وتأني لفهم رسالتها”، بوحها، شكواها، وربما حبها للمعترف له، أيا كان، .. وربما لنفسها، أليس العنوان “نواقيس العزلة”، لم تقرع الاجراس؟ لهذه المرأة الساردة، منها، ولها “كل شئ ممكن في متن الأدب، هناك لذة الاعتراف ولو للنفس، ولكن بصدق، مراقبة الذات بالذات، ألم تتعجب رابعة العدوية من اناس تستغفر بنفاق، وقالت قولتها المشهورة “استغفاركم، يحتاج لاستغفار”، ممها احسته من لحن القول، ولكن هنا، استغفار عظيم، لأمرأة تود ان تشاركها “حزنها”.

تمضي الساردة في بوحها، اعترافها لنفسها “أم لنا؟”، تراجع حياتها، احلامها، “تخاف الخطأ، وهذا اكبر خطأ، أليس الخطأ حق؟ وقاله النبي، ان لم تخطئوا؟ الحديث الشهير”، ولكن حياتها خائفة من خوف الخطأ، وتنتقدها، وتحللها بتروي وقفزات فقرات، اشبه بموسيقى حزينة، نبيلة، وضربات أصابع البيانو تقفز من الماضي للحاضر، للأحلام، مع نقد محب لطقوس الحياة في الخليج وخاصة للمرأة “تأملها للصورة القديمة، البيضاء والسوداء ووجود البنات والأولاد معا”، ورد امها “النفوس في السابق ليس كما هي الآن”، ويأتي المنلوج من الساردة “المرأة ذات الطفل الذي تهدهده في بدء الرواية ” ماذا حدث للنفوس؟ لا اعرف ماهي الهزة الفكرية التي اقتحمت وتغلغلت فيه حتى تبدلت معتقداتهم وعاداتهم بهذه الطريقة.

تحس بأنها سيرة للمرأة الخليجية ابان التحولات الضخمة التي جرت للمجتمع، من صحراوي بسيط، لمجتمع نفطي، ثري، تقني، غربي، شرقي، اسيوي، افريقي، شرق اوسطي معا، مزيج عجيب، يعيش في رقعة جغرافية ضيقة، وكل يحتمي بثقافته ويتشدد خوف الذوب في أخرى.
مع السطور، تحس كأنها اشعة اكس، ليست امرأة تشكو فقط، بل أدب يراجع العلاقة بين الرجل والمرأة، والام والابنة، وبين الصديقات معا، تشخيص، اراء، سخرية، حب، شغف، مراجعة لسيرتها النفسية، وجروح روحها المبكرة، والتئام الثقوب بالكتابة، بالحكي، بالبوح للورق الابيض تحت سن قلمها..
تبدأ الرواية، بإشارة لمقولة لفرجيينا ولوف:

كل سر، من أسرار الكاتب
كل تجربة من تجارب الكاتب
كل ميزه في فكره
مكتوبة بوضوح في اعماله.

أما إهداء الكتاب فكان:
إلى اروح الاجنة، التي تجهض قسرا، كل عام، ..
وإليه..

انا يادوب في البداية، وفي متعة القراءة واحزانها النبيلة، فكم يمسنا ما يمس بطل الرواية، كشأن القراءة، وما يمس الكاتب، كما لمحت فرجينا ولوف، في تلكم الكليمات، فسلاح الكاتب الكلمات، يحارب بها القبح، حيثما كان، ألم يقل ديستوفسكي “الجمال ينقذ العالم”، اذن القبح، بأي صورة له، يغرقه في الظلام، حد الموت العقلي، وياله من موت، أشد من موت المقابر، بل المقابر، للصالحين، “روض من رياض الجنة”.

لي عودة بعد الختام من الرواية، وقراءة بين استراحة وأخرى، وشاشة القلب، والتلفاز، والفيس، والواتس، تظهر صبية شباب، في كر وفر، مع سلطة غاشمة..

ومحبتي…
الخرطوم

بواسطة لطيفة الحاج

كاتبة من الإمارات

أضف تعليق