منذ سنوات مراهقتي وأنا أعيش صراعا بين العقل والقلب وبين ما يجب وما يمكن وبين ما أريد وما لا يريده الآخرون لي. وقد حاولت أو أنها رحمة الله بي أن أوازن بين تلك الأمور وأصل في نهايتها إلى نتيجة ترضي الطرفين المتصارعين وأنا الثالثة بينهما في كل الأحوال.
ثم ومن وقت ليس ببعيد، توصلت لقناعة مفادها أن ليس بالضرورة أن يكون هنالك صراع. نحن لم نخلق لنصارع ونتصارع، لنحارب ونقاوم، لنعيش بمشقة وحرمان وانتظار وترقب أبدي. وجربت أن أترك كل ما يثقل علي وأن أهجر كل ما يستنزفني جسديا نفسيا وفكريا وماديا. وفهمت أن الحياة لو تساهلنا معها ستكون سهلة وأن الأشياء كل الأشياء إن رغبنا بها وأحببناها بلطف ستكون لنا. وأن أنفسنا هي الأهم والأولى بالرفق واللين والحب والعطاء وبعدها سيأتينا كل شيء برفق ولين وحب.
كم من المشاعر أهدرناها وكم من الوقت ضيعناه في السعي نحو أحلام ضائعة وأوهام صنعناها وصدقناها وعشنا لسنوات طويلة ندور فيها وحولها حتى ابتلعتنا وأفقدنا الثقة والشغف وحب الحياة.
يقول ألبير كامو: ما أقسى أن يعيش الإنسان فقط مع ما يعرف ويتذكر، محروما مما يرجو ويتأمل.
مشكلتنا أننا نغرق أنفسنا في الماضي والذكريات المحزنة. مع أننا نملك ذكريات أخرى جميلة لكنها سرعان ما تنسى. وذلك لأننا تبرمجنا على اجترار كل ما يحزننا ومجرد تذكر الأشياء الجميلة يجعلنا مدانين بخيانة أحزاننا القديمة. كان هذا ما فعلته لسنوات طويلة وما لا يزال يفعله الكثيرون منا. لكن الخبر السعيد هو أن الوقت لا يتأخر أبدا على التغيير وترك كل ما يؤلمنا ويؤخرنا عن العيش بهناء وسلام.